علي بوزردة: في المغرب.. هل هي أزمة صحافة أم أزمة “ممارسات صحفية”؟
في 14 يوليوز 2023 بالدار البيضاء، جمع المؤتمر العاشر للفدرالية المغربية لناشري الصحف (FMEJ) عددا كبيرا من الصحفيين المهنيين، شبابا وكبارا، ممن يمارسون المهنة وآخرون متقاعدين، على الرغم من أنه لا يوجد في هذه المهنة النبيلة حقا تقاعد.
في البرنامج: مسألة هشاشة أوضاع الصحفيين، وضعف النموذج الاقتصادي للمقاولات الصحفية،الانتهاكات الصارخة من قبل البعض لأخلاقيات الصحافة، وأخيرا صورة الصحفي في المجتمع.
الصحفي المخضرم والرئيس المنتهية ولايته لـ FMEJ، نور الدين مفتاح رسم أمام زملائه صورة قاتمة لممارسة هذه المهنة التي من المفترض أن تلعب دور “السلطة الرابعة” في المغرب.
“والأخطر هو أن جسر الثقة زاد تصدعا بين الصحافة ومجتمع لم يعد يرى منها إلا الصراع حول الدعم، والأنانيات وصرف الجهد في البديهيات والتخلي عن الأدوار الحقيقية لحملة هذه الرسالة، وعلى رأسها النقد والمساءلة والرقابة على مدبري الشأن العام”.هكذا تكلم مفتاح الذي يدير أسبوعية “الأيام” بصرامة وانتظام لما يقرب من ربع قرن.
في قلب الجدل الدائر حول مهمة الصحفي والصحافة في المغرب، هناك مسلسل “كافكاوي” يتعلق بتعويض المجلس الوطني للصحافة (CNP) بلجنة مؤقتة ولدت في اللحظة الأخيرة بعملية قيصرية، وذلك تحت الإشراف المباشر لرئيس الحكومة عزيز أخنوش ووزيره الشاب في الثقافة الشاب مهدي بن سعيد.
المولود الجديد تم تكليفه بنفس مهام المجلس الوطني على فترة ستة أشهر في البداية قبل أن تمدد إلى سنتين.
المجلس الوطني للصحافة كهيئة مستقلة، كان من المفروض أن تجمع “حكماء المهنة” الذين يسهرون على كل شيء، ولا سيما جودة العمل الصحفي بعيدا عن الحسابات السياسية العابرة، وليس عن طريق تعيين “موظفين خالدين” والمتشبتين بنفس المقاعد لمدة 30 عاما. “هل من المناسب الاستمرار في ندم عقيم وبدون نهاية؟” يتساءل الكاتب المسرحي الفرنسي جورج كورتلاين عن هذا النوع من الاشخاص.
في الواقع، لا داعي لذكر أسماء هؤلاء السادة لأن عملهم خلال كل هذه السنوات الطويلة أصبح مرادفا للانتهازية والمحسوبية والزبونية، مما أدى إلى تراجع كبير في مهنة الصحافة بالمغرب.
إن اللجنة الجديدة المثيرة للجدل سيتم قريبا المصادقة على قانونها الأساسي، وتبنيها من قبل مجلس المستشارين على الرغم من رفض واحتجاجات المهنيين.
في الواقع، لو احترم أخنوش الدستور حرفيا، كان من المفروض أن يتم انتخاب هذه اللجنة بعد مسلسل انتخابي منتظم وشفاف ودون تدخل من أية جهة، وذلك كما هي جرت العادة ادى نقابة المحامين وهيئة الأطباء وغيرهم …
هذا التدخل من قبل السلطة التنفيذية في الشؤون الداخلية للصحفيين – بصرف النظر عن الذرائع المذكورة – لن يؤدي إلا إلى تأجيج الخلافات داخل المهنة وإلى تحوير النقاش وتعميق الخلافات الى جانب جدل بيزنطي لا فائدة منه، بدلا من التركيز على دور الصحافة كمهنة نبيلة يفترض أن تستجيب لحق المواطن في الحصول على معلومات موثوقة وغير متحيزة وليست تلكم الانباء التي تحرض على اللبس والتشهير أو ببساطة fake news.
يجب أن ندرك أننا بمرور الوقت في طريقنا للانتقال بهدوء الى نفق مظلم. وهذا شيء هذا وضع غريب في بلد تحدث عنه السفير الفرنسي الجديد في الرباط بعبارات متوهجة، قال: ” المغرب بلد نموذجي في المنطقة من حيث الاستقرار السياسي والاجتماعي.. المغرب قوة إقليمية وإفريقية..”.
ومع الأسف، المُحزن في قصة لجنة المجلس الوطني للصحافة هو تأثيرها الكارثي على صورة الحريات العامة ومصداقية الصحفيين في المغرب.
وفي هذا السياق يحذر مفتاح: “إننا بهكذا اختيارات، واصلنا جر الأزمة من أرجلها، هي كلمة التفاهة هي العليا، بل أصبح خرق أخلاقيات المهنة بشكل فاضح لدى البعض أصل تجاري، وانهار قطاع التوزيع أو يكاد، وانهارت مبيعات الصحف لتتجاوز 70٪ من التراجع، وفقدت الصحافة لصالح قنوات أخرى ثلثي رقم معاملاتها من الإعلانات التجارية، والأخطر هو أن جسر الثقة زاد تصدعا بين الصحافة ومجتمع لم يعد يرى منها إلا الصراع حول الدعم، والأنانيات وصرف الجهد في البديهيات والتخلي عن الأدوار الحقيقية لحملة هذه الرسالة، وعلى رأسها النقد والمساءلة والرقابة على مدبري الشأن العام.”
Mutatis Mutandis ملحوظة لا علاقة لها بالموضوع خلال لقاء الدار البيضاء الإعلامي والنقابي، فاجأني عزيزنا مفتاح بعبارات في خطابه، حيث انتقل من فكر المثقف الماركسي الإيطالي أنطونيو غرامشي إلى آيات القرآن الكريم. فهل نحن في منطق “معركة الافكار تسبق الصراع السياسي”؟ بينما تحدث صحفي بلغ من السن عتياً، خلال الجلسة الافتتاحية ، حيث فاجأ الجميع بالكلام خارج السياق عن ما أسماه “الأمن الإعلامي” . وهنا لاحظت أن صحفيا وناشطاً حقوقياً قام مندهشا وبعجالة الى تسجيل ملاحظاته عن هذه الفكرة العجيبة في دفتر مذكراته.
يجب الاشارة الى هذا النوع من الخطاب أعادنا ربع قرن إلى الوراء، لأن هذه الفكرة كانت تروج في عهد وزير الداخلية القوي إدريس البصري، الذي لم يتردد في وضع قائمة سوداء للصحفيين المعارضين ومنتقدي النظام السياسي في ذلك العهد.
كنت أود أن أطلب من هذا “الزميل” من الدار البيضاء أن يطلعنا على طريقة عمل ما اسماه “الامن الاعلامي” سنة 2023، اي في عصر الذكاء الاصطناعي مع ChatGPT كنموذج، دون أن ننسى الشبكات الاجتماعية وما إلى ذلك..
باختصار، يعتقد العديد من الصحفيين بأن أصحاب “الحنين إلى الماضي” Les nostalgiques والمعروف بزمن “الرقابة الصارمة” على اقلام وكلمات، وأفكار الصحفيين، قد انقرضوا.
إنه خطأ!
ترجمة (أنفاس بريس)
أرتيكل19
مرحبا 2024 – توقعات عملية العبور عبر ميناء طنجة المتوسط
هام جدا : خلال مرحلة العودة ستعطى الأسبقية لولوج الميناء للمسافرين الحاملين لتذاكر مغلقة و…